الملخّص
يشهد العالم ثورة تكنولوجية تقودها تقنيات الذكاء الاصطناعي، حيث برزت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة كمراكز إقليمية ودولية بارزة في تبني هذه التقنيات. تستعرض هذه الورقة البحثية جاهزية الشركات الناشئة في كلا البلدين لاعتماد الذكاء الاصطناعي من خلال تحليل بيئة ريادة الأعمال، البنية التحتية التكنولوجية، توفر الكفاءات البشرية، التمويل، والأطر التنظيمية. كما تسلط الضوء على القطاعات الرئيسية التي ازداد فيها اعتماد الذكاء الاصطناعي، وتعرض أمثلة واقعية لشركات ناشئة نجحت في توظيف الذكاء الاصطناعي، وتناقش التحديات الأساسية، وتختتم بتوصيات لتعزيز هذه الجاهزية.
الكلمات المفتاحية: الذكاء الاصطناعي، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، الشركات الناشئة، الابتكار الرقمي.
المقدمة
يشهد العالم اليوم ثورة تكنولوجية تحويلية يقودها الذكاء الاصطناعي، وقد رسخت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات مكانتهما كمراكز إقليمية وعالمية لتبني هذه التقنيات المتقدمة. استثمرت الدولتان بشكل كبير في البنية التحتية الرقمية، والتعليم، والابتكار، من أجل تنويع اقتصاديهما بما يتماشى مع رؤى التنمية الوطنية مثل "رؤية السعودية 2030" و"استراتيجية الإمارات المستقبلية".
تهدف هذه الورقة البحثية إلى تقييم جاهزية الشركات الناشئة في السعودية والإمارات لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، من خلال استعراض بيئة ريادة الأعمال والدعم الحكومي، وتقييم البنية التحتية، توفر الكفاءات، التمويل، والأطر التنظيمية، مع التركيز على القطاعات التي تتبنى الذكاء الاصطناعي بشكل متزايد، واستعراض أمثلة حقيقية، وتسليط الضوء على التحديات، وتقديم توصيات استراتيجية.
1. بيئة ريادة الأعمال والدعم الحكومي في السعودية والإمارات
1.1 بيئة ريادة الأعمال في السعودية ودور الحكومة
شهدت المملكة طفرة في ريادة الأعمال بدعم من "رؤية السعودية 2030" الرامية لتنويع الاقتصاد. أنشأت الحكومة كيانات داعمة مثل "منشآت"، و"شركة رأس المال الجريء السعودية (SVC)"، ومسرعات أعمال مثل "مسك 500" و"فلات6لابز الرياض". وفي عام 2023، جمعت الشركات الناشئة السعودية تمويلاً قياسيًا بلغ 1.38 مليار دولار، بدعم ملحوظ من "صندوق الاستثمارات العامة (PIF)".
وخلال مؤتمر LEAP 2025، أعلنت السعودية عن استثمارات تفوق 14.9 مليار دولار مخصصة لدعم بنية الذكاء الاصطناعي.
كما أُنشئت هيئات متخصصة مثل "الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا)" التي أطلقت "الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي"، بهدف جعل المملكة من بين أفضل 15 دولة في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول 2030.
1.2 بيئة ريادة الأعمال في الإمارات ودور الحكومة
اعتمدت دولة الإمارات نهجًا استباقيًا لدعم الشركات الناشئة عبر مبادرات مثل "مسرّعات دبي المستقبل" والمناطق الحرة التكنولوجية مثل Hub71. وبحلول عام 2023، بلغت قيمة النظام البيئي للشركات الناشئة في الإمارات نحو 23 مليار دولار، مع أكثر من 5600 شركة ناشئة، لا سيما في قطاع التكنولوجيا المالية.
كما أطلقت الدولة "الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031"، والتي تهدف إلى مساهمة الذكاء الاصطناعي بما يقارب 91 مليار دولار في الاقتصاد الإماراتي.
وقد أُسست "جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي (MBZUAI)" لدعم البحث العلمي المتقدم، إلى جانب استثمارات ضخمة في البنية السحابية بالتعاون مع شركات كبرى مثل G42، أمازون، ومايكروسوفت.
2. تقييم جاهزية الشركات الناشئة لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي
2.1 البنية التحتية التكنولوجية
تتمتع كل من السعودية والإمارات ببنية رقمية قوية. ففي السعودية، تم دمج مراكز البيانات الحكومية ضمن سحابة وطنية موحدة. أما الإمارات، فتتميز باتصال واسع بشبكة 5G، إضافة إلى مزودي خدمات سحابية عالميين، ومختبرات ابتكار مثل مركز الثورة الصناعية الرابعة التابع لأرامكو.
2.2 الكفاءات البشرية والتدريب
استثمر البلدان بشكل كبير في التعليم والتدريب المتخصص لتأهيل الكوادر. السعودية تعاونت مع شركات مثل جوجل وأمازون، بينما أطلقت الإمارات مبادرات مثل "مليون مبرمج عربي" وأسست MBZUAI لتوفير تعليم مجاني متقدم في الذكاء الاصطناعي.
2.3 التمويل والاستثمار
كلا البلدين يوفران بيئة تمويل قوية عبر كيانات مثل صندوق PIF السعودي وBECO Capital الإماراتي. لكن لا تزال المشاريع ذات الطابع البحثي الطويل الأجل تواجه تحديات تمويلية.
2.4 البيئة التنظيمية والتشريعية
طورت الدولتان أطرًا تنظيمية حديثة لتعزيز الابتكار في الذكاء الاصطناعي، تشمل قوانين التجارة الإلكترونية، وحماية البيانات، والمختبرات التنظيمية (Sandboxes) التي تتيح اختبار الحلول الجديدة.
3. القطاعات البارزة التي تعتمد الذكاء الاصطناعي
- التكنولوجيا المالية (FinTech): شركات مثل "سلفة"، "تمارا"، و"تابي" في السعودية؛ و"سروة" في الإمارات.
- الرعاية الصحية والصحة الرقمية: شركات مثل "كُورا" في السعودية و"AppliedAI" في الإمارات.
- تكنولوجيا التعليم (EdTech): منصات مثل "نون أكاديمي" في السعودية و"Alef Education" في الإمارات.
- التجارة الإلكترونية واللوجستيات: شركات مثل "جاهز" في السعودية و"Taffi" في الإمارات.
4. أمثلة واقعية لشركات خليجية تستخدم الذكاء الاصطناعي
- Mozn (السعودية): حلول لكشف الجرائم المالية باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- Sarwa (الإمارات): منصة استثمار مؤتمتة (Robo-advisor).
- Noon Academy (السعودية): منصة تعليمية عبر الإنترنت مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
- Alef Education (الإمارات): منصة تعليم تكيفي تعتمد على الذكاء الاصطناعي.
- Jahez (السعودية): تنبؤ بالطلب وتحسين اللوجستيات باستخدام الذكاء الاصطناعي.
- AppliedAI (الإمارات): معالجة آلية للمستندات ومطالبات التأمين في القطاعين الصحي والقانوني.
5. التحديات الرئيسية التي تواجه الشركات الناشئة في تبني الذكاء الاصطناعي
- نقص الكفاءات المتخصصة في الذكاء الاصطناعي.
- محدودية توفر البيانات المنظمة والموسومة، خصوصًا باللغة العربية.
- ارتفاع تكاليف البنية التحتية الخاصة بالحوسبة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي.
- مقاومة ثقافية وتنظيمية داخل الشركات التقليدية.
- صعوبة دمج الحلول الحديثة مع الأنظمة القديمة.
- بطء تطور الأطر التنظيمية وتذبذبها.
- ضعف الثقة المجتمعية في حلول الذكاء الاصطناعي.
- محدودية تمويل الأبحاث بعيدة المدى وذات المخاطر العالية.
6. توصيات لتعزيز جاهزية وتبني الذكاء الاصطناعي
- تعزيز برامج التدريب المتخصص في الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات.
- توفير قواعد بيانات مفتوحة ومساحات اختبار للشركات الناشئة.
- إطلاق صناديق استثمار متخصصة بالشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا العميقة.
- تحديث الأطر التنظيمية بشكل مستمر عبر نهج تشاركي.
- تكثيف حملات التوعية المجتمعية وبناء الثقة.
- تسهيل التعاون بين القطاعات لدمج الذكاء الاصطناعي مع الأنظمة الحالية.
- تعزيز التكامل الإقليمي بين دول الخليج في مشاريع الذكاء الاصطناعي المشتركة.
- وضع مؤشرات أداء وطنية لقياس مدى التقدم في تبني الذكاء الاصطناعي.
الخاتمة
تُظهر هذه الورقة البحثية أن الشركات الناشئة في المملكة العربية السعودية والإمارات تمتلك جاهزية كبيرة لتبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، مدعومة بدعم حكومي قوي وبنية تحتية متقدمة. ومع ذلك، لا تزال هناك تحديات مستمرة مثل نقص المواهب، وتوفر البيانات، وتكاليف البنية التحتية، والقيود التنظيمية التي تتطلب معالجة ممنهجة.
إن تحقيق جاهزية شاملة للذكاء الاصطناعي يتطلب تعاونًا منسقًا بين الحكومات، والقطاع الخاص، والأوساط الأكاديمية، والمجتمعات التكنولوجية. وتطبيق التوصيات الواردة يمكن أن يعزز مكانة السعودية والإمارات كمراكز عالمية رائدة في الابتكار، ويزيد من تنافسيتهما في الاقتصاد الرقمي القائم على المعرفة. فالاستثمار في الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارًا استراتيجيًا فقط، بل ضرورة لمواكبة التحولات العالمية وتحقيق نمو اقتصادي مستدام.
المصادر
- الجزيرة (2025). السعودية تستثمر 14.9 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي. aljazeera.net
- عرب نيوز (2023). الشركات الناشئة السعودية تجمع تمويلاً قياسيًا بلغ 1.38 مليار دولار. arabnews.com
- مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (2023). الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي في الإمارات 2031. csis.org
- ماكنزي وشركاه (2024). تبني الذكاء الاصطناعي في السعودية والإمارات. mckinsey.com
- وايرد الشرق الأوسط (2023). منصة FOCAL من Mozn تحدث ثورة في كشف الاحتيال المالي. wired.me
- ومضة (2024). استراتيجية الذكاء الاصطناعي في السعودية. wamda.com
- فوربس أفريقيا (2025). شركة AppliedAI تجمع 55 مليون دولار في جولة تمويل من الفئة A بأبو ظبي. forbesafrica.com